سورة المزمل - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المزمل)


        


{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)}
{إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً} خطاب لجميع الناس، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة، وقال الزمخشري: هو خطاب لأهل مكة {شَاهِداً عَلَيْكُمْ} أي يشهد على أعمالكم من الكفر والإيمان والطاعة والمعصية، وإنما يشهد على من أدركه لقوله صلى الله عليه وسلم: أقول كما قال أخي عيسى: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} يعني موسى عليه السلام وهو المراد بقوله: {فعصى فِرْعَوْنُ الرسول} فاللام للعهد {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} أي عظيماً شديداً.


{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)}
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً} {يوماً} مفعول به، وناصبه تتقون أي: كيف تتقون يوم القيامة وأهواله إن كفرتم، وقيل: هو مفعول به، على أن يكون كفرتم بمعنى جحدتم، وقيل، هو ظرف، أي كيف لكم بالتقوى يوم القيامة، ويحتمل أن يكون العامل فيه محذوف تقديره: اذكروا قوله: {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} {يَجْعَلُ الولدان شِيباً} الولدان جمع وليد وهو الطفل الصغير، والشيب بكسر الشين جمع أشيب ووزنه فُعُل بضم الفاء وكسرت لأجل الياء، ويجعل يحتمل أن يكون مسنداً إلى الله تعالى أو إلى اليوم، والمعنى أن الأطفال يشيبون يوم القيامة، فقيل: إن ذلك حقيقة، وقيل: إنه عبارة عن هول ذلك اليوم، وقيل: إنه عبارة عن طوله {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} الانفطار: الانشقاق، والضمير المجرور يعود على اليوم، أي: تتفطر السماء لشدة هوله ويحتمل أن يعود على الله أن تنفطر بأمره وقدرته. والأول أظهر، والسماء مؤنثة، وجاء منفطر بالتذكير لأن تأنيثها غير حقيقة أو على الإضافة تقديره: ذات انفطار أو لأنه أراد السقف {كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} الضمير في وعده يحتمل أن يعود على اليوم أو على الله والأول أظهر؛ لأنه ملفوظ به {إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ} الإشارة إلى ما تقدم من المواعظ والوعيد {فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً} يريد سبيل التقرب إلى الله، ومعنى الكلام حض على ذلك وترغيب فيه.


{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)}
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل} هذه الآية نزلت ناسخة لما أمر به في أول السورة من قيام الليل، ومعناه أن الله يعلم أنك ومن معك من المسلمين تقومون قياماً مختلفاً، مرة يكثر ومرة يقل، لأنكم لا تقدرون على إحصاء أوقات الليل وضبطها، فإنه لا يقدر على ذلك إلا الله فخفف عنكم وأمركم أن تقرأوا ما تيسر من القرآن {وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} من قرأها بالخفض فهو عطف على ثلثي الليل، أي تقوم أقل من ثلثي الليل واقل من نصفه وثلثه، ومن قرأ بالنصب فهو عطف على أدنى أي تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفه تارة وثلثه تارة {وَطَآئِفَةٌ} يعني المسلمين وهو معطوف على الضمير الفاعل في تقوم {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} الضمير يعود على ما يفهم من سياق الكلام، أي لن تحصوا تقدير الليل، وقيل: معناه لن تطيقوه أي: لن تطيقوا قيام الليل كله {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} عبارة عن التخفيف كقوله: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} [المجادلة: 13] {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن} أي إذا لم تقدروا على قيام الليل كله، فقوموا بعضه، واقرأوا في صلاتكم بالليل ما تيسر من القرآن، وهذا الأمر للندب، وقال ابن عطية: هو للإباحة عند الجمهور.
وقال قوم منهم الحسن وابن سيرين: هو فرض لا بد منه ولو أقل ما يمكن، حتى قال بعضهم: من صلى الوتر فقد امتثل هذا الأمر، وقيل: كان فرضاً ثم نسخ بالصلوات الخمس، وقال بعضهم: هو فرض على أهل القرآن دون غيرهم {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى} ذكر الله في هذه الآية الأعذار التي تكون لبني آدم تمنعهم من قيام الليل، فمنها المرض ومنها السفر للتجارة وهي الضرب في الأرض لابتغاء فضل الله ومنها الجهاد، ثم كرر الأمر بقراءة ما تيسر، تأكيداً للأمر به أو تأكيداً للتخفيف وهذا أظهر لأنه ذكره بأثر الأعذار {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة} يعني المكتوبتين {وَأَقْرِضُواُ الله} معناه تصدقوا، وقد ذكر في [البقرة: 45] {هُوَ خَيْراً} نصب خيراً لأنه مفعول ثان لتجدوه والضمير فصل {واستغفروا الله} قال بعض العلماء إن الاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثاً».

1 | 2 | 3